فكرت أن أدخل السرور إلى قلوب صديقاتي الصغار .. فاخترت شيئاً من الهدايا البسيطة والحلوى، وأعددتها مفاجأةً لهن عند زيارتهن المرتقبة لنا ..
3 فتياتٍ أكبرهن في العاشرة، وأصغرهن في السابعة، أحبهنّ كما لو كنّ أخواتي الحقيقيات، وابتسامتهن أغلى عندي من أيّ شيءٍ آخر ..
أمسكت أكياس الهدايا، وطلبت منهنّ أن يغمضوا أعينهنّ لتختار كلٌّ منهن كيساً بلونٍ مختلف ..
فابتسمت كبرى الفتيات إليّ بخجلٍ ثم قالت:
- لا .. يسلمو .. ما بدنا !!
- شو هي مابدنا ؟! يلا حبيباتي لا تستحوا .. نقوا كل وحدة كيس ..
- لا لا يسلمو
وقفت مصدومةً من الموقف ! أنظر إلى وجوه الفتيات الثلاث التي كانت تحكي الكلام نفسه .. كيف للأطفال أن يرفضوا أخذ هديةٍ هكذا ...؟ !!!
رفعت صوتي إلى الغرفة التي تجلس فيها والدتي مع والدتهن:
- ماما تعي شوفي، مستحيين، قال ما بدهن ياخدوا الهدية
استغربت والدتي، لكن والدة الفتيات سارعت بالقول:
- قوليلهن قال أمكم خدوا الهدية، ما بتزعل، هدول متل أخواتنا معلش تاخدوا منهم هدية
نظرت إليهن بابتسامة محبةٍ، وطلبت منهن أن تختار كل واحدةٍ لوناً، فكانت ابتسامتهن وضحكة قلوبهن أروع مشهدٍ طفوليٍ يضحك له قلبك .. وحمدت ربي أني استطعت أن أهديهم المحبة، وأنهم قبلوها مني ..
------------
لم يكن رفضهن للهدية خجلاً كما كنت أتوقع، بل كان جرحاً عميقاً جداً، جرحاً ينزف من طفولتهن، وجرحاً آخر ينزف من كرامة والدهن ووالدتهن ..
حينما أجبروا على مغادرة منزلهم في الريف بسبب سوء الأوضاع، وتحملوا عبء النزوح وقسوته .. لم يكونوا يريدون شفقةً من أحد، فنفوسهم أعزُّ من أن تطلب المساعدة، وبفضل الله استطاع والدهم أن يجد عملاً بسيطاً هنا، وهم رغم قسوة الحياة والظروف المعيشية التي نالت حتى الطبقات المتوسطة فضلاً عن الفقيرة، لم يكونوا ليرضوا لأنفسهم دعماً أو منةً من أحد..
حتى بهدية !!
أحياناً، لا يدرك الطفل بدايةً جميع المعاني، ويفرح بما يقدّمه الآخرون له، لكنه سيعي قسوتها يوماً ما، وستكون إجابة أمهم وأبيهم هي دموع الألم، حينما يقابل الآخرون أطفالهم بعين الشفقة، ويبطنون في هداياهم (بقصدٍ أو دون قصد) رسائل الشفقة والتفضل عليهم وعجز أهلهم عن ذلك ..
ولذلك... ترى الأم أن تنمية شعور الكرامة والعزة عند الطفل هو ما سينمو له بابتسامةٍ حقيقيةٍ مدى الحياة .. فتعلّمهم التعفّفَ أكثر كلما قست الأوضاع أكثر، ورفضَ ما يقدّم إليهم مهما كانت قيمته ..
الأهل يريدون لأطفالهم عزةً وقيمةً أكبر من ذلك، لا تخدشها الظروف القاسية بل تبلور كرامتها أكثر ..
سهلٌ أن ترسم الابتسامةَ على وجه طفل لم يعِ الحياة بعد، لكن الأصعب، أن ترسم ابتسامة العزّة على وجوه أهلهم .. أن تقدِّم لهم هديةً من باب "تهادوا تحابّوا" كما علمنا حبيبنا عليه الصلاة والسلام، وليس من باب التصدّق أو التكرّم والمساعدة الذي يذبح ويقطع فؤاد الأهل كالسكاكين، ويترك ندبة جرحٍ لدى الأطفال، حتى لو جهلوها اليوم، فسوف يعونها بقسوةٍ يوماً ما !!
---------
قبل أن تعمل خيراً، اكتب عليه إهداءً وفكّر جيداً في لغة رسالتك المطوية فيه: كيف يفهمونها....؟ اكتبها بـ إحسان، كما لو كانت هديةً لابنك ..