Pages

Thursday, February 9, 2017

حامل ! ولكن ...

مرَّ عامٌ على تلك الحادثة، على ما أعتقد ... حيث كنت صباحاً وحيدةً في الصيدلية، أقوم بطلب الأدوية من أحد المستودعات على الهاتف، وتفاجأت باثنتين، يدخلان سريعاً إلى الغرفة الداخلية من الصيدلية!
 تركتُ سماعةَ الهاتف وركضتُ إلى الداخل، فوجدت شابة نحيلةً جداً تجلسُ على أرض الصيدلية شاحبةً جداً (بلون الكهرباء كما يقولون)، وأمُّها تستنجد: ابنتي .. لم تعد قادرةً على الاحتمال ! أعطها إبرة ...
 حاولتُ أن أتمالك أعصابي في تلك اللحظة، أن أغلق على قلبي نبضاته، وأٌعمل عقلي بأقصى طاقته، لإسعاف هذه الحالة دون تأثرٍ نفسي ... هذا الأمر متعبٌ لي للغاية، لكنه أحد واجبات كل من يدخل ضمن السلك الطبي، أن يتصرف ! To take action ...
 فكرت ... إنها تشعر بألم شديدٍ وتشعر بالغثيان .. ماذا أعطيها؟ ... دكلون .. لكن معدتها فارغة وقد تكون حساسة ... ماذا عن الحساسية تجاه الدكلون؟ قد لا تكون الأم بحالة عقلية جيدة لتجيبني على هذا الموضوع بدقة ... حالات التحسس من الدكلون قليلة، لكنها قد تكون ببعض حالاتها مميتة لا سمح الله ! ليس علي المخاطرة ...
 أعطيتها دواءً للغثيان، تأخذه، حتى إذا ارتاحت تتناول شيئاً من الطعام لتأخذ مسكناً قوياً ... وطلبت من الأم أن تأخذ ابنتها الشابة إلى المشفى مالم تشعر بتحسنها ...
 خرجت الأم وابنتُها تستند إليها، وبقيت أفكر بهذه الشابة، ما بها؟ ... ما سبب كل ذلك؟ ... وعدت لأكمل عملي ... آه .. صحيح .. الهاتف!
 عادت الأم بعد نصف ساعة، لتطمئنني على ابنتها، فقد أعادتها للبيت ويبدو أنها تحسنت ... فسألتها: ما سبب ذلك؟ هل هي المرة الأولى؟ ... فأجابت: لقد كانت تتوقع أن تكون حاملاً، لكن لم يحدث ذلك ! يبدو أن ذلك من أثر الحزن الشديد ...
- آه ابنتك متزوجة! تبدو صغيرة
- نعم، من ستة أشهر، ولم تحمل حتى الآن! تخيلي
- كم عمرها؟
- تسعة عشر عاماً
- لا تزال صغيرة ! والعمر أمامها طويل ... بعضهن لا يحملن في مثل هذا العمر
 - نعم، لقد قلت لها ذلك، لكن، تعرفين ! "بيت الاحما" لا يرحمون ! وحماتها تتذمر لأن ابنتي قد تأخر حملها .. لا أدري ما الذي قد يخطر ببالها لو تأخر أكثر !!
 - لكن ! ..... اسمعيني .. من أجل ابنتك، عليها ألا تقلق، وهذا رزقٌ من الله، والحالة النفسية قد تؤثر سلباً على ذلك، ثم ... لا تزال صغيرة ...
- نعم، ولكن ....
كان يبدو أن النقاش بلا فائدة ... لا يمكن لتلك العقد المنتشرة بين الناس أن تُحلّ بكلمتين ...
 مرت الشهور، وجاءت الأم تشتري لابنتها اختبار حمل، وعدتني بـ "حلوان" إن كانت حامل ... وفعلاً عادت بـ "الحلوان" ..... فرحتُ لذلك حقاً ...
 كانت الأم تأتي كل فترة بالوصفة الطبية التي تطمئنني عن استمرار حمل ابنتها ... أدوية الحامل .. الفيتامينات ... وغيرها ...
لكن الله جل بحكمته لم يأذن لهذا الحمل بأن يتم، فقد مات الجنين بالشهر الثاني، واضطرت لإسقاطه ...
 لم تترك الأم بعد ذلك طبيبةً إلا وذهبت إليها .. تريد دواءً لابنتها، تريد أن يجبر خاطر ابنتها بطفل، وجواب الطبيبات نفسه ! ابنتكِ بصحة جيدة، ولا تحتاج أي دواء ... ولكن .. لو لم تحمل، حماتها ...... لا يجب أن تقلق فالقلق قد يؤخر الحمل أكثر ...
مرت الأم علي قبل أسبوعين، تحمل وصفةً طبيةً جديدة!
- هل هناك حمل؟
- لم يتبين بعد، لكن الطبيبة طلبت منها أن تبدأ بفيتامين الحمل من الآن ...
 تلك السعادة التي وجدتها على وجه الأم، انقلبت فجأة إلى تجاعيد حزنٍ وخوف مع الوصفة الطبية التي بعدها ... فقد تعرضت ابنتها لحالة "حمل خارج الرحم" ... حالة خطرة جداً على حياة الأم ... نزفت ابنتها بشدة، وتعرضت لألمٍ لا حدود له، واضطروا للبحث لها عن أكياس دم لإنقاذ حياتها ... ومنعتها الطبيبة من الحمل لستة أشهر قادمة حتى يستعيد جسمها عافيته وقوته ...
شعرتُ بغصةٍ كبيرة ... حزنٍ كبير ...
تقول الابنة للأم: لقد شعرت بألم الولادة مرتين، لكن دون ولد !
وتبادلنا الصمت والحزن ...
لا يمكن لحادثةٍ كهذه أن تمرّ عليك، دون أن تثير بأعماقك كماً من الأفكار والمشاعر لا حدود له ...
شابةٌ صغيرةٌ ضعيفة، تعرضت لكل هذه الآلام وهي لم تتجاوز العشرين ربيعاً ...
مشاعر الأمومة التي تنتظرها، ولم تحصل عليها حتى الآن .....
كم تشتاق لحضن ولدٍ لها، وكم من الأمهات لا يشعرن بهذه النعمة ...
لقطاتٌ متناقضة، مررت بها خلال عامٍ ونصفٍ قضيتها هنا ...
 شاهدتُ فيها الأمهات يشترين جهاز اختبار الحمل، يشترين الفيتامينات، يأخذن حقنة "دكسون" قبل الولادة، ثم تبدأ رحلة حليب الأطفال والحفاضات وقطارات "تمبرا"، وصولاً إلى السيريلاك ...
 شاهدتُ خطوط سيرٍ أخرى إلى جانبها، أمٌّ تريد شراء دواءٍ للإسقاط، وأخرى تريد دواءً لينام طفلها عشرين ساعة متواصلة ...
شاهدتُ أماً تصفع ابنها ذي السنتين على وجهه بقوة، لأنه يطلب شراء السكاكر!
 شاهدتُ أماً تضرب بأظافرها الحادة وجه ابنتها ذات الأربعة أعوام، لأن لديها مرض تبولٍ لا إرادي، معروفٍ أنه يتفاقم بالضرب والحالة النفسية السيئة !!!
 صرفت وصفاتٍ طبيةً لأمهاتٍ وآباءٍ يرغبون بطفلٍ يملأ زوايا حياتهم ... أعطيت كثيراً من الحقن التي يصفها الأطباء لتساعد على الحمل، كنت أدعو لهن من قلبي، ولا أدري إن كتب الله لهن الإنجاب، أم أن مسيرة هذه الحقن تستمر ...
 شاهدتُ في هذا العالم، كثيراً من الحب، وكثيراً من الكره أيضاً ... شاهدتُ الجهل وشاهدتُ الأمل وشاهدتُ الرضى ...
 وشاهدتُ اليوم شابةً ينكسر قلبها، على رزقٍ تأخر عنها، وحاصرتها الضغوط النفسية ممن حولها، لتوصلها لحالةٍ كادت تودي بحياتها ...
أسأل الله الفرج، وجبران الخاطر، والرضى ....

No comments:

Post a Comment