Pages

Thursday, March 16, 2017

صداقة في ستين دقيقة !

يوم الخميس في الصيدلية، يعني عادةً جهداً إضافياً، لأنه يوم عطلةٍ نصف شهرية، أي أن نصف الصيدليات تعطل في كل خميس، ونصفها الآخر تعطل في الخميس الذي يليه، ولذلك نادراً ما تشعر بالملل في يوم الخميس الذي يكسر إلى حدٍ ما شيئاً من الروتين الأسبوعي ...
لمحت من بين الزبائن شابةً تبدو أصغر مني في العمر، ولما حان دورها، ارتبكت وبدا على وجهها الخجل، تساءلت في نفسي عن سبب ارتباكها، ثم بررتُه بسؤالها عن أحد الأدوية المقطوعة، ربما شعرت بالخجل لأنها تصر على دواءٍ بعينه دون بديله وتتوقع ألا تجده ! ... ربما ... لم أُعرِ الأمر اهتماماً وأعطيتها من هذا الدواء، وتابعتُ تلبية طلباتها ...
حدسي تجاه الأشخاص دفعني إلى مساعدتها، وإعطائها ما تريد، مع أن أغلب طلباتها كانت من "المقاطيع" كما نسميها؛ أدويةٌ تأتينا بشكلٍ مقنن (قطعتان مع كل طلبية أسبوعية أو قطعة واحدة) ... هذه الأدوية نبقيها جانباً للمرضى الذين يحملون وصفاتٍ طبيةً بها، لأنه في ميزان المصلحة العامة عليك أن توفر الدواء المقطوع لمن هو في حاجةٍ أكبر إليه من غيره ... والطبيب في هذه الحالة هو الأعلم بحالة المريض أكثر من وصفات جارتنا وابنة حمانا التي لا يتحسن ابنها إلا على هذا الدواء بعينه دون بديله ! ...... المهم
التفت إلى تلك الشابة، أعطيتها الأدوية وحسبت سعرها، فابتسمت وبدت الشجاعة في عينيها ثم قالت في حياءٍ وسعادة:
هل أنت بتول حمصي؟
نعم .. هل تعرفينني؟
أنا صديقتك على الفيس بوك
اه، ما اسمك؟
Sobriety Clear
فكرت قليلاً ثم تذكرت، طلب صداقة جاءني منذ فترة، لا أعرفها، لكنني وجدت Aseel Saiof صديقاً مشتركاً فانشرح قلبي وقبلتها ...
ألستِ صديقة أسيل؟
بلى
أهلاً بك وبأسيل، تشرفتُ بك
اسمها رزان، وأختها التوأم بيان، يتشاركان الحساب نفسه، ويتابعان رسوماتي ...
كانت رزان سعيدةً جداً، وكأنها تحمل في داخلها شيئاً من أحلامي القديمة بالتقائي بأشخاصٍ ما في مكانٍ ما يوماً ما ... وكان حدسها قد صدق ذلك الصباح بأنها قد تلتقيني في جولتها ما بين الصيدليات ..
الحقيقة، لقد خانني التعبير في تلك اللحظة، لم أجد سوى تلك الكلمات التي يقولها الجميع عند تعارفهم ! بينما كان مافي داخلي يحمل فيضاً من المشاعر لا حدود له ..
لم أستطع إكمال حديثي مع رزان، لكثرة العمل، فأدخلتها لعندي، ووقفت أحاول التركيز مع كل الأشخاص بالوقت نفسه ! ازدحامٌ اعتدت عليه، يوصل دماغي لمرحلةٍ من التحفيز الأقصى، ثم يتراجع بهدوء ...
لحظات، وبدأت رزان تركض معي تساعدني .. تذكرت حينها تلك المرة الأولى التي دخلت فيها هذه الصيدلية كمتدربة، لم أكن أعرف، لكني وجدت نفسي أركض لأساعد الصيدلانية هناك وسط فوضى المكان وفوضى الزبائن ... !!
عاد الهدوء، فصرت أضحك، أخبرت رزان أنه لا يوجد أحد يأتي ليزور هذه الصيدلية، إلا ويكون من نصيبه عملٌ ما ! تسعير أو ضب طلبية أو ترتيب أو بيع سيتامول ولواصق طبية أو حتى مسح الصيدلية ! كانت حقيقة مضحكة، اندمجنا فيها وكأننا صديقتان منذ زمن طويل .. نعمل معاً ونضحك معاً ...
مضى الوقت سريعاً، لم أُرد أن ينتهي، أريدها أن تبقى، أن تأتي كل يوم ... لقد أحببتها حقاً ... وأنتظر أن ألتقي توأمها بيان، وأتوقع أني سأحبها كثيراً أيضاً ...
كانت رزان سعيدة، لكنني كنت أنا الأشد سعادة والأكثر خجلاً في ذلك الموقف ... لقد أحببت خلال حياتي أن ألتقي بكثير من الأشخاص الرائعين .. لكن خاطراً لم يأتِ ببالي من قبل أن أحداً من غير دائرة صديقاتي سيحب أن يلتقي بي ... أمرٌ يدعو للخجل جداً ...
أنت لا تدري كيف تبدو تلك الصورة التي يرسمها الكتاب الأزرق عنك ... لكنه أمرٌ يضع أمامك كثيراً من المسؤولية، كثيراً من الحسابات الدقيقة، وسؤالاً داخلياً خطيراً حول سلامة نيتك في كل ذلك ...
في الوقت ذاته، لقاؤك مع أشخاصٍ ترتاح إليهم، ذلك الانشراح الكبير الذي تشعر به، تلك الملامح الطيبة في وجوههم التي تدعوك لمبادلتهم المساعدة مع مزيدٍ من المحبة ...
لم أكن أصدّق أن هناك صداقةً ومحبةً بهذه المتانة يمكن أن تنشأ من زيارةٍ لم تتجاوز الستين دقيقة ! العالم تغير حقاً، الدنيا بخير، الأشخاص الرائعون لا يزالون يسعون في هذه الحياة، وستحب أحدهم حقاً من أول نظرة !